قد يكون لميلانو أسبوعها العالمي للملابس الجاهزة للنساء والرجال، ولروما أسبوعها للأزياء الراقية «ألتا مودا» للمرأة المقتدرة، لكن لفلورنسا، عاصمة الفن، أيضا أسبوعها للموضة. أسبوع يتميز بنكهة خاصة جدا فيها شقاوة وحلاوة وعذوبة تلمس قلوب المرأة والرجل على حد سواء، لأنه خاص بفلذات أكبادهما.
في هذا الوقت من كل عام، وبمجرد أن ينتهي أسبوع الموضة الرجالي في ميلانو، تشد الموضة الرحال إلى فلورنسا، وبالذات إلى معرض «بيتي بيمبو»، الذي على ما يبدو يتنقل من نجاح إلى آخر.
فالحقيقة التي تؤكدها الأرقام أن مبيعات ملابس وإكسسوارات شريحة الصغار ارتفعت بنسبة 3% هذه السنة رغم الأزمة المالية التي أثرت على باقي القطاعات، الأمر الذي يفسر أنه في هذه الدورة، الـ68، شهد مشاركات أكبر من ذي قبل، حوالي 14 عرضا، من بينها ماركة مارك جايكوبس، التي تعرف إقبالا متزايدا.
ربما يعززه حب الأمهات لهذا المصمم النيويوركي المبدع، إلى جانب أن فاليري هاش، «كاراميل بايبي أند تشايلد» والمصممة بوني يونغ، التي اشتغلت سابقا مع دونا كاران، فضلا عن الوجوه التي تعودنا عليها في هذا المعرض، ونذكر منهم على سبيل المثال أرماني، ألبرتا فيريتي، كافالي، ديور، بيربيري، بلومارين، ميسوني وهلم جرا.
كالعادة افتتحت ماركة «ميس بلومارين» الفعالية بمجموعة تلمع بالترتر وتأخذ الكبار قبل الصغار إلى عالم فانتازي من خلال تنورات واسعة مدعمة بالتول، وكنزات من صوف الأنغورا مرصعة بأحجار شواروفسكي بألوان الكريم والفضة والمشمش والسلمون والوردي مع قليل من الأسود.
وتجدر الإشارة إلى أن ماركة «ميس بلومارين» تنجح دائما في أن تتحفنا بأزيائها المبتكرة للصغيرات، ربما لأن آنا موليناري امرأة وأم، وبالتالي تفهم ما تريده أي أم لصغيراتها من رقة ونعومة ورومانسية، وكلها عناصر تتكرر كل عام في تشكيلاتها للصغيرات. وهذا ما يميزها عن باقي المصممين ويحسب لها.
ولعل اللافت هذا الموسم أنه ليس كل التصميمات كانت رومانسية، لأن معظمها تميز بالهندسية المدروسة من حيث الأكتاف على الأقل، بينما تنوعت الألوان والنقوشات. فروبرتو كافالي وحتى «ميس بلومارين» إلى حد ما و«ميسوني» قدموا أزهارا وورودا متفتحة بألوان الربيع والصيف، بينما قدمت شركة «مونكلير» جاكيتات محددة عند الأكتاف تشبه تلك التي طرحتها للكبار.
وفي إشارة إلى حقبة العشرينات من القرن الماضي، كانت هناك قطع منسابة مطرزة بالترتر والخرز، بينما لم يبخل جون غاليانو عليهم بالرسومات الفنية التي رأيناها في عروض ميلانو وباريس ونيويورك ولندن للمرأة.
فعلى ما يبدو، القاسم المشترك هنا كان ميل المصممين إلى استنساخ تصميمات الكبار وإعطائها للصغار، مع تغييرها على مقاسهم وبألوانهم، وإضافة أشكال طريفة ورسومات كارتونية وما شابهها، لإدخال بعض المرح عليها.
فهم لم ينسوا تماما أنها تخاطب شريحة الصغار، وبالتالي يجب أن تمرح وتلعب في ملعب الطفولة.
نوليتا بوكيت، مثلا قدمت فساتين مستوحاة من الفلاحات الروسيات ببعدها الهيبي المنساب بحرية وشقاوة، بينما ميس غرانت قدمت عرضا غلبت عليه الألوان البراقة فضلا عن البنفسجي بدرجاته المتوهجة، حتى فيما يتعلق بالجاكيتات المحددة والمبطنة عند الأكتاف وتنورات بنقوشات تشعر فيها بأننا أمام نسخة مما رأيناه في باريس أو ميلانو، خصوصا أن الإيقاع كان يلعب على فكرة الروك آند رول.
بالنسبة لماركة «ريبلاي أند سانز» فقد قدمت تشكيلة منعشة فيها الكثير من القطع المستوحاة من سائقي الدراجات النارية سواء من حيث الجاكيتات أو الكنزات الصوفية.
أما الوجه الوفي في هذا الأسبوع فهو المصممة أغاثا روز دو لا برادا، التي قدمت كعادتها تشكيلة في منتهى المرح والصخب من حيث الألوان، التي تكاد تتضارب مع بعضها البعض، بسذاجة وفنية في الوقت ذاته. فقد أرسلت عارضاتها الصغيرات بإكسسوارات طريفة على رؤوسهن وفساتين طويلة بتنورات منفوخة بالتُل.
وحتى تؤكد أن رؤيتها الصاخبة بالألوان ليست بعيدة عن الواقع، فقد حضرت العرض وهي تلبس فستانا مشابها لهذه التصميمات. طبعا كانت هناك أيضا ماركة «ديزل» التي قدمت مجموعة للإناث والذكور تتميز بالحيوية كانت فيها الجلود والجاكيتات هي الغالبة.
ماركة «كالفين كلاين» أيضا قدمت مجموعة تتميز بالبساطة والعصرية، تعكس رؤية الدار الأميركية ككل، رغم أنها استعملت أقمشة لامعة على جاكيتات مبطنة عند الأكتاف وقطع صوفية للإناث والذكور بألوان البنفسجي والأخضر والأزرق النيلي.
أطرف ما فيها نهاية العرض عندما خرج كل العارضين والعارضات الصغار في كنزات صوفية طويلة على شكل فساتين وهم يضحكون.
ماركة «وينكس» أنهت سلسلة هذه العروض، بتشكيلة حافلة بالرسومات الكارتونية الطريفة والألوان التي تتباين بين الوردي والبنفسجي والترتر الذي تعشقه أي فتاة يتراوح عمرها بين الرابعة والثامنة.
النتيجة التي يخلص لها أي واحد تابع هذه العروض أو الصور، الاهتمام المتزايد بأزياء الذكور مقارنة بالسنوات الماضية، ربما لدخول مصممين رجال لعبة التصميم للصغار في الآونة الأخيرة، من أمثال جون غاليانو ومارك جايكوبس وغيرهما، لكن مع ذلك فهي لم ترق بعد لحجم الاهتمام الذي لا تزال أزياء الإناث تحصل عليه.
وقد يعود هذا الاهتمام إلى الجانبين النفسي والتجاري، مع العلم أنهما متشابكان بشكل أو بآخر.
فالمرأة هي التي تشتري أغراض أطفالها، كما نعرف أن البنات أكثر ليونة ومرونة من الذكور من حيث التعامل، على الأقل فيما يخص المظهر، وبالتالي فإن الأم تجد متعة أو بالأحرى مساحة أكبر للعب بالموضة مع ابنتها على العكس من الولد الذي ليس له خيارات كبيرة، باستثناء البنطلون والكنزات أو السترات.
كما أنه ليس من المنطقي أن تزين شعره بفيونكات أو تلبسه ألوانا متضاربة. وهذا ما يشجع المصممين على أن يولوا اهتماما أكبر للجنس الناعم منذ الصغر، ويفسر أن أغلبية ما هو مطروح لهن متنوع وغني بالابتكار والخيال.
وإلى أن يكبر الصغار وتصبح لهم شخصيتهم الخاصة، المتمردة في غالب الأحيان على ذوق الأمهات والآباء، فإن معرض «بيتي بيمبو» الفلورنسي سيظل يقدم تنوعا يعكس زيادة أهمية هذا القطاع.