قطعة قماش صغيرة، لا تزيد عن متر في أحسن الأحوال، ذات شكل مربع أو مستطيل، أصبحت قمة الأناقة الكلاسيكية بالنسبة لكل الأعمار والطبقات في المواسم الأخيرة بالذات.
نعم فالإيشارب، بكل أحجامه، تسلق السلم الاجتماعي منذ فترة وأصبح يتبوأ مكانة عالية في عالم الموضة بعد أن تخرج في مدرسة هوليوود وتغذى بإيحاءات إثنية أعطته بعدا جماليا واجتماعيا غنيا.
وما كان في أحسن الأحوال هدية تقدم للأمهات أو الجدات في بعض المناسبات عندما نصاب بالحيرة، أصبح الآن إكسسوارا مهما للحفيدات أيضا، إذا لم يضعنه على رؤوسهن، زين به أعناقهن أو خصورهن أو حقائبهن.
ورغم أنه عرف شعبية كبيرة في منتصف القرن الماضي بفضل هوليوود، إلا أنه اكتسب في السنوات الأخيرة أهمية جديدة على الصعيدين السياسي والثقافي، نظرا للانفتاح على الإسلام وثقافة الشرق من جهة.
ولأهمية هذه المنطقة اقتصاديا من جهة ثانية، مما حتم على بيوت الأزياء العالمية الانفتاح عليها والعمل على قراءة احتياجات أسواقها، ومن ثم مغازلة نسائها.
دار «لوي فيتون» الفرنسية كانت سباقة في هذا المجال، إذ قررت أن تقدم تحية للشرق الأوسط من خلال إيشارب اسود طرحته خصيصا لها منذ حوالي ثلاث سنوات.
كانت الفكرة ضربة معلم، ووجد الإيشارب الكثير من الترحاب انعكس على مبيعاته، مما فتح شهية الدار ليس على طرح المزيد، بل فتح محلات متعددة بها، بعد أن تأكدت أن سوقها منفتح على كل جديد يأتي من الغرب، فيما يتعلق بالموضة بالتحديد.
كما فتح شهية باقي بيوت الأزياء على الاقتداء بها وطرح ألوان وأحجام متنوعة من هذا الإكسسوار المثير للجدل، بدءا من دار «ديور» إلى «هيرميس» مرورا بماثيو ويليامسون، ألكسندر ماكوين، كريستيان لاكروا وغيرها.
عروض الأزياء بدورها لم تخل منه في السنوات الأخيرة، وكان آخرها عرض كريستيان لاكروا للهوت كوتير، والموجه لخريف وشتاء 2010 الذي حفل به وإن كان قاتما وحزينا باللون الأسود.
مما لا شك فيه أن تطور هذه القطعة من القماش، قبل أن تقتحم عالم الموضة، لا تخلو من إثارة، فحسبما يقول دينيس نوتدرافت، أمين متحف الموضة والأقمشة بلندن، أن الإيشارب كان «قطعة خاصة بالفلاحات، الغاية منه حمايتهن من تقلبات الجو وقسوة الطقس (وهو الأمر الذي لا يزال واقعا في العديد من المناطق الريفية، العربية والغربية على حد سواء).
وفي القرون الوسطى لبسته النساء للدلالة على الطهارة والحشمة». ويتابع: «لكنه أيضا يمنح قراءة جيدة للتحولات الاقتصادية التي تمر بها المجتمعات .. فهو ينتعش في الأزمات على وجه الخصوص، لأن المرأة عند استعماله لا تحتاج إلى صبغ جذور شعرها كل ثلاثة أسابيع، مثلا».
وإذا صح تحليل دينيس بأنه أحد الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لتسجيل الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإن عودة الإيشارب يمكن أن تربط، بالحديث المتزايد عن الأزمة المالية بالنسبة للمصممين وبيوت الأزياء، وبحثهم المستميت عن استغلال كل ما يمكن أن يحقق لهم الربح.
وهذا ما تأكد أخيرا في تقرير دار «هيرميس» الذي أعلنت فيه نتائجها السنوية الإيجابية، وعبرت فيه عن امتنانها لهذه القطعة الصغيرة، التي كان لها فضل كبير فيما توصلت إليه من أرباح، تمكنها من العوم بسلام في هذه السنة الصعبة.
يمكن أيضا ربط الإقبال عليها بزيادة أهمية السوق العربية وما تتطلبه بيئتها الاجتماعية والدينية من إكسسوارات، فباعتراف بعض المصممين، منهم التركي الكندي «إيرديم» لولا هذه السوق لما استمر بعضهم.
كما أن جولة سريعة في أسواق لندن في فترة الصيف تؤكد أن المشترين المشرقيين من أهم المنعشين للبضاعة الأوروبية، وهذا ما يفسر أن العديد من بيوت الأزياء والمصممين باتوا يطرحون كل ما تحتاجه هذه السوق من ألوان وخامات، وبالطبع إيشاربات تخاطب المرأة العربية والمسلمة.
لكن إلى جانب التأثير الإسلامي وأناقة فلاحات شرق أوروبا، اللواتي ألهمن الثنائي الإيطالي، دولتشي أند غابانا في تشكيلتهما في الموسم الماضي، فإننا لا يمكن أن نتجاهل أن ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية، كانت لها يد في انتشار هذه الموضة، أو على الأقل في إثارة الانتباه إليها منذ بضع سنوات.
كان ذلك عندما رشحتها مجلة «فوغ» كواحدة من أكثر نساء العالم أناقة، حيث ظهرت الملكة في صورة تغطي فيها شعرها بإيشارب لحمايته من الطقس الاسكتلندي المتقلب في مناسبة عادية لم تكن تتطلب قبعة رسمية.
بعد هذه الغمزة التي قامت بها مجلة «فوغ» التي تعتبر بوصلة لا يستهان بها في مجال الموضة، تسابق المصممون، بدءا من الثنائي دولتشي أند غابانا وجون بول غوتييه إلى بول سميث وغيرهم إلى إرسال عارضاتهم في هذه القطعة التي كانت شبه منسية، على الأقل فيما يتعلق باستعمالها على الرأس.
المصمم دومينيكو دولتشي شرح الأمر بقوله أنه أراد أن يحقن هذه القطعة بقليل من الحداثة والحيوية لتستقطب شريحة الشابات بعد أن ظلت لصيقة بالجدات لفترة طويلة، خصوصا بالطريقة التي ظهرت بها عارضاتهما: فقد جاءت تغطي الرأس وتعقد تحت الذقن.
وفي الوقت الذي سيكون فيه من الصعب على المرأة العصرية أن تُقبل على هذه الطريقة بنفس مفتوحة، إلا أنها حتما ستتفنن في استعماله حول العنق أو لتزيين حقيبة يد أو حتى كحزام، والأيام وحدها ستظهر مدى نجاحه في تغطية الرأس بالذات، فهذا الأمر يحتاج إلى دراية وأسلوب خاص لا تتمتع به كل النساء.
صحيح أن ما طرحه معظم المصممين من أشكال تتصف بالروعة، وبعضها يحاكي اللوحات الفنية من حيث الرسومات، وليس أدل على ذلك من إيشاربات دار «هيرميس»، إلا أن الحصول على مظهر نجمات من مثيلات أودري هيبورن.
كما ظهرت في فيلم «سابرينا»، أو الشقراء غرايس كايلي في فيلم «تو كاتش أثيف» (القبض على لص) في لقطة كلاسيكية وهي في سيارة مفتوحة تخترق شوارع مونتي كارلو الملتوية، أو بريجيت باردو في الريفييرا الفرنسية، أمر صعب ولن تتوفق فيه كل واحدة.
فيفيان الكسندر من دار «هيرميس» لا تنكر أن الأمر ليس بالهين، لكنها تضيف بأن هناك قواعد أساسية لا بد منها، فللحصول على مظهر غرايس كيلي مثلا، يجب أن يكون المظهر ككل بسيطا وغير مبالغ فيه، وتكون البداية بتسريحة الشعر، إذ ليس من المعقولة أن تكون منفوشة أو على شكل شينيون.
كما يجب أن يكون الإيشارب، الذي يكون من الحرير في الغالب، مربعا وبحجم مناسب، لا يقل عن 35 بوصة في 35 بوصة، حتى يمكن طيه على شكل مثلث، ولفه حول الرأس، على أن تظهر خصلات من الشعر من على الجبين، ثم يلف حول العنق ويعقد من الخلف.
وتوافقها الرأي غيا غيديس، محررة الموضة بمجلة «هاربرز بازار» البريطانية بأن هذه الموضة ستعرف عزها خلال فصلي الخريف والشتاء، وإن كانت تناسب صغيرات السن أكثر، خصوصا إذا نسقنها بطريقة حيوية وحداثية، ومع أزياء بسيطة، مثلا مع كنزة من الصوف بياقة عالية وبنطلون مستقيم أو واسع.
وتشترط الابتعاد قدر الإمكان عن جاكيتات التويد، لأنها تعطي مظهرا عتيقا يضيف عدة سنوات إلى عمر أي واحدة.
وسواء أحببت هذه الإطلالة أو اختلفت معها، وسواء كانت من خلال إيشارب يحمل توقيع مصمم كبير، أو إيشارب بسيط لا يكلف سوى القليل، فإنه يفضل عدم المبالغة فيها واللجوء إليها في أوقات محددة فقط، لأنها فعلا لا تناسب الكل، خصوصا إذا كانت الفكرة التماثل بغرايس كيلي أو بأودري هيبورن.
في هذه الحالة يمكنك ارتداؤه مع نظارات شمسية كبيرة الحجم حتى لا يكون هو مركز الجذب، أما إذا كان بحوزتك إيشارب مفضل وتريدين استعماله في كل الأحوال، فيمكنك لفه حول العنق أو لتزيين حقيبة يد أو حول الخصر، كما فعلت كارلا ساركوزي في زيارتها الأخيرة إلى مدينة براغ، وكان الهدف منه كسر أحادية الألوان التي كانت تلبسها