من صفاتها أن تظل دائما معقدة ومتقلبة، فعلاوة على أنها تختلف من عصر إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، فهي أيضا متقلبة في عالم الموضة، الأمر الذي جعل المرأة دائماً في حيرة من أمرها، هذه هي معايير ومقاييس الجمال.
وليس أدل على ذلك من أن رقة الشفاه وبياض البشرة كانا منذ وقت ليس بالبعيد من أهم المميزات التي يُحكم بها على جمال المرأة، إلى أن انقلبت المعايير تماماً، وأصبحت الشفاه المكتنزة والبشرة التي تميل إلى السمرة، من أهم عوامل جاذبيتها، فجرت الفتيات إلى مراكز التجميل من أجل نفخ شفاههن لتكتسب اكتنازا، وإلى منتجات التسمير التي زادت مبيعاتها بشكل ملحوظ، لينافسن الحنطيات والسمراوات.
أيضاً وكما أن جسم المرأة الممتلئ كان مفضلاً عند الرجال في الماضي، تغير الآن فأصبحت الرشاقة على قائمة المحاسن، لتتوالى الحميات وأساليب التخسيس، وشمل الأمر الرغبة في الحصول على عظام الخد النافرة، مع أنها كانت مستهجنة في الماضي.
ولأن لكل قاعدة شواذ فقد استثنيت نحافة خصر المرأة من هذه القاعدة، وظل على مر العصور وحتى الآن الخصر النحيف ومظهر البطن المشدود من سمات الحسن والجمال لدى المرأة في مختلف أنحاء العالم. ففي نحولته تظهر جماليات باقي الجسم.
ووفقا لدراسة أميركية، أجراها أكاديميون متخصصون في تحليل معايير الجمال نشرت منذ عامين تقريبا، فإن الخصر النحيل طالما كان المفضل في مختلف الفترات الزمنية.
ففي الماضي كان ينظر إلى رشاقته على أنها علامة تدل على الصحة الجيدة والخصوبة، والدليل على ذلك هو ظهور الممثلات في فترة الستينات، في فساتين تركز على منطقة الخصر، أبرزهن النجمة الراحلة مارلين مونرو والإيطالية صوفيا لورين والفرنسية بريجيت باردو وغيرهن.
وبينت الدراسة أن خصر المرأة هو أكثر ما تغزل به الكتاب في جسدها، ويأتي بعده تناسق الصدر والساقين، فالملاحم الإغريقية والشعر الفارسي والصيني، والقصص الكلاسيكية الهندية والأساطير والقصص المحكية مجدت جمال المرأة وأنوثتها، وأخذت من خصرها النحيل مصدراً للإلهام في كتابة الشعر والوصف الذي لا ينتهي، ثم خلصت الدراسة إلى أن هذا الجزء كان وسيبقى عنوان الأنوثة ورمز الجمال والصحة في الوقت ذاته.
العرب لم يختلفوا وتبنوا نفس النظرة، فمنذ القدم وإلى الآن تغنوا بالخصر النحيل، وبرز ذلك جلياً في أشعارهم وكتبهم، ولعل أشهر ما قيل في هذا الشأن كان للشاعر كعب بن زهير، حين قال «هيفاءُ مُقبلة عجزاءَ مُدبرة .. لا يُشَتكى قصرٌ منها ولا طولُ»، وقوله «هيفاء» هنا يقصد بها «ضامرة البطن دقيقة الخصر».
ولا تقتصر أهمية نحافة الخصر على عنصر الجمال فقط، بل أكد العديد من الدراسات والأبحاث أيضاً على أن النساء اللواتي يعانين من سمنة في منطقة البطن هن أكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وداء البول السكري.
فالدهون داخل البطن تفرز عادة أحماضاً دهنية تؤثر على عمل الكبد أكثر من الدهون في أي مكان آخر في الجسم، وبالتالي تساعد في حدوث هذه الأمراض. كما أصبح البطن المكتنز من علامات الإصابة بالكوليسترول.
ولذلك يؤكد الخبراء أنه يجب ألا يتعدى محيط الخصر 88 سم عند النساء، كما يجب أن تساوي نسبة قياس الخصر مع الفخذين 0.85%. وكلا المقياسين يستخدمان لقياس السمنة المركزية.
لكن قبل زيادة الوعي بالمخاطر الصحية، فإن الإجماع العالمي خاصة في بيوت الأزياء والموضة على جمال وأهمية الخصر النحيف لدى المرأة، جعل النساء ومنذ القدم يبحثن بشتى الطرق عن الوسيلة التي تمكنها من الحصول على خصر مثالي وتخلصهم من الشحوم الزائدة حول منطقة الخصر الذهبية.
وعندما لا تنفع الحميات ولا التمارين فإنها تلجأ إلى أي خدع تموه عن اكتنازه، ومن هنا ظهر ما يسمى بـ«الكورسيه».
والكورسيه في الحقيقة هو ابتكار قديم جداً مر بالعديد من عمليات التطوير والتغيير، فقد بدأ استخدامه في القرن الخامس عشر في أوروبا وكان يلبس أعلى التنورة النسائية في أسبانيا، ثم انتشر بصورة كبيرة وأصبح علامة مميزة للزي النسائي في فرنسا، حتى إنه خلال الثورة الفرنسية كان السبيل الوحيد لشد جسم النساء في ذلك الوقت الذي عرفت النساء به بالسمنة والاكتناز.
وقد عُرف الكورسيه باسم (المشد) في مطلع القرن السادس عشر، وكان عبارة عن صديري بسيط يغطي الجزء الأعلى من ثوب المرأة، وكان حكراً على الطبقة الارستقراطية.
ثم اتخذت المشدات شكلاً مغايراً في القرن الثامن عشر، حيث جاءت هذه المشدات قصيرة وواسعة من الأمام، بينما كانت تصل إلى الرقبة من الخلف، بحيث يمكن إبراز الصدر مع شد الكتفين نحو الخلف، وكان يتم تعزيز الثقوب الصغيرة بغرز، ولم يجر تنظيمها في مواجهة بعضها البعض، وإنما في شكل تعاقبي، الأمر الذي سمح بربط المشد على شكل حلزوني.
وتغيرت الموضة مجدداً، في عشرينيات القرن التاسع عشر، فتم خفض خط الخصر ليعود إلى مكانه الطبيعي تقريباً، كما انتشر استعماله بين جميع الطبقات الاجتماعية.
وبينما لم يعد ارتداء الكورسيه مسايراً للموضة في أوروبا وأميركا في العقد الثاني من القرن العشرين، وتم إبداله بالمشدات، عاودت موضة ارتداء الكورسيه الظهور لفترة وجيزة في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، في صورة حزام للخصر، أطلق عليه اسم «واسبي»، وجرى استخدامه لإضفاء شكل الساعة الرملية على الجسد والذي فرضته الصيحة الجديدة التي أطلقها حينذاك كريستيان ديور باسم «دي نيو لوك».
التحول الجديد في الكورسيه كان في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، حيث تم استخدامه في هذه الفترة كرداء خارجي وليس تحتيا على يد المغنية مادونا التي ظهرت حينها بكورسيه من تصميم مصمم شاب عرف العالمية بفضل كورسيه صممه لها.
ثم برز الكورسيه بقوة في عروض الأزياء في خريف 2001 التي تزامنت مع عرض فيلم «الطاحونة الحمراء»، ومؤخرا أخذ الحزام العريض مكانه، باعتباره اكسسوارا عصريا يحدد الخصر ويظهر قوام المرأة بشكل أنثوي ومثير، لا سيما أن لابسته تبدو كما لو أنها فقدت بضعة سنتيمترات من محيط خصرها عند شده.
لكن رغم هذه المزايا فقد حذر العديد من الخبراء من ارتداء الكورسيه لفترات طويلة، لأنه يضعف عضلات البطن ويعلمها الكسل من قلة الحركة مما يؤدي إلى الترهل، فيما ذكر بعض الباحثين أن القلق يزيد من تراكم الشحوم في منطقة الخصر والبطن.