«الوردة.. المركب.. العصفورة».. كلها ألعاب ورقية صنعناها بأيدينا في الطفولة من دون أن ندرك أنها فن ياباني أصيل اسمه «أوريجامي»، أو فن طي الورق كما يسمى في اليابان.
وقد دخل هذا الفن أخيراً عالمي الأزياء والديكور الداخلي. في الأول، من خلال فساتين مبتكرة صاغ فيها المصممون هذه الأشكال من الأقمشة، وفي الثاني تم طرحها على شكل إكسسوارات تضفي على البيت فنية وتميزا.
الجميل في هذا الفن أنه يطلق العنان لخيال الإنسان لكي يبدع، ولا يتطلب، مثل غيره من الفنون اليدوية، موهبة كبيرة، بل مجرد تدريبات بسيطة، يمكن صقلها مع الوقت، بتكرار التجربة، على شرط توفر الخيال والقدرة على الابتكار من خامة بسيطة هي الورق، سواء كان متينا أو عاديا كالذي نكتب عليه، أبيض أو ملونا.
كما أن استخداماته لا تقتصر على الترفيه والتسلية فحسب، بل يمكن لأفراد الأسرة من خلال ورشة فنية بسيطة القيام بأشكال لطيفة تقدم كهدايا للأهل والأصدقاء.
والأهم أنه يمكن استخدام هذا الفن البسيط والقيم لتعليم الأطفال أشكال وأسماء الحيوانات، عن طريق تصميم مجسمات لها، فضلا عن تعليمهم الفروق الأساسية بين الألوان إذا استخدم ورق ملون في الأوريجامي.
ولا يستغرق تشكيل قطعة فنية ورقية سوى بضع دقائق في العادة، لكنها قد تمتد لساعات وحتى أيام حسب دقة العمل وطبيعته.
وفي الموروثات الثقافية اليابانية، فإن الورق رقيق السمك القوي هو الذي يستخدم في فن الأوريجامي، ويتم تصنيعه من ألياف لحاء الشجيرات الصغيرة مثل شجيرة «كوزو» أو «جامبي».
وعلى مر التاريخ كانت القرابين تقدم للآلهة حسب المعتقدات اليابانية على ورق مطوي بعناية شديدة، كما كان يستخدم لتغليف الهدايا في الحفلات والمناسبات المختلفة.
وتطور الأمر في الفترة من القرن 14 وحتى القرن 16، حيث بدأت عادة تغليف الهدايا باستخدام ورق مطوي بطريقة معينة في شكل زخرفي جميل عرفت باسم «أوريكاتا» أو «أوريجاتا» التي تمثل حجر أساس نشأة فن «الأوريجامي».
في تلك الفترة وبخاصة خلال عصر موروماتشي، انتشرت الأوريكاتا في اليابان وظهرت كتب لتعليم فنون التغليف والربط، باعتبارها من ملامح «الاتيكيت» والأناقة.
ويبدو أن الأوريكاتا تحولت لوسيلة شائعة للتسلية بين أفراد الطبقة العاملة منذ بداية القرن 18 وحتى منتصف القرن الـ19، وسرعان ما تطورت هذه الهواية إلى أن وصلت إلى ما يعرف اليوم بـ«أوريجامي» أو فن تشكيل الورق.
وقامت جمعية «نيبون أوريجامي» التي تأسست عام 1973 بتوحيد الرموز والمصطلحات المختلفة التي استخدمت لشرح وتصوير وسائل تشكيل الورق، ومنذ ذلك الحين تبنى هواة أوريجامي هذه التعبيرات والمفردات.
في مصر، يظل تعليم هذا الفن مقصورا على أماكن معينة مثل مؤسسة اليابان، التي قامت بتنظيم بعض ورش عمل الأوريجامي في الصيف الماضي، وساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية، وأيضا بعض الجمعيات غير الحكومية المهتمة بتنمية المجتمع.
ومنذ ستة أشهر تقريبا، خصصت إحدى القنوات الفضائية الخاصة الموجهة للشباب فقرة ثابتة من برنامجها الصباحي كل أسبوع لهذا الفن، يقدمها أسامة حلمي الشهير بـ«أوز أوز»، الذي كان أول من ابتكر الحروف والأرقام العربية وفانوس رمضان بالأوريجامي.
يقول أسامة (29 عاما): «منذ 5 سنوات لم يكن هناك من يتحدث عن الأوريجامي في مصر، لكنني حاربت من أجل هذه الفكرة».
ويروي أسامة أن اهتمامه بالأوريجامي بدأ منذ أن كان في السابعة من عمره، حينما شاهد كيفية تصنيع طائر البطريق بالورق، وفنونا يدوية أخرى في برنامج تلفزيوني، فوجد نفسه منجذبا لهذا الفن، وبدأ يحاول استخدام الخامات المتوافرة لديه في المنزل لتصنيع أشكال ورقية.
ثم في المرحلة الإعدادية تعلم على يد مدرس العلوم مزيدا من الأشكال قبل أن يشتري أول كتاب عن الأوريجامي من معرض الكتاب عام 2002 باللغة الانجليزية مقابل 70 جنيها، ويبدأ بحثا جادا عن الأوريجامي على شبكة الانترنت.
يؤكد أسامة أن الأوريجامي يبدو وكأنه مجرد لعبة، لكن بين طياته أهداف تعليمية كثيرة. فهذه الجمعيات ضربت عصفورين بحجر: استخدمت الورق الملقي في الشارع حتى يسهل على الأطفال لعب الأوريجامي عندما ينزلون إلى الشارع للعب، وتنظيف الشوارع في الوقت ذاته.
عمل أسامة مع مدرسين وأطباء نفسيين لكي يسهل عليه التعامل مع أطفال الشوارع الذين علمهم الأوريجامي، بالإضافة إلى المكفوفين الذين أراد أن يشعرهم أن بإمكانهم إنتاج فن جميل.
كما يعمل حاليا مع مجموعة مدمنين يحاولون الإقلاع عن المخدرات بإشراف أحد الأطباء، لكنه يحلم بإنشاء المركز المصري للأوريجامي، وهو مشروع قيد الدراسة حاليا مع مؤسسة اليابان، يهدف لتنظيم ورش فنية وإصدار كتب تعليمية، وعقد مؤتمرات وتدريبات في الأوريجامي.
«أوز أوز»، كما يحب أن يطلق على نفسه، يستعد حاليا للتوجه إلى تونس لإعطاء ورش للأطفال والمدرسين في الأوريجامي على هامش معرض صفاقس للكتاب في هذا الشهر.
أما الفنان محمد الاكيابي الذي يتفنن في النحت بالورق ويركز على جميع الفنون الورقية، فيقول: «الأوريجامي فن يخرج من عباءة فنون الديكور والرسم والتصوير، ولولعي به حاولت دراسة العلوم الهندسية لكي أنفذ الأوريجامي بالهندسة، لكن المسألة صعبة جدا.
أنا أعتمد في شغلي على الابتكار، ويمكن أن أدخل تعديلات على الأعمال التي أراها».
ويشير إلى أن الفرق في الأوريجامي المعتمد على الابتكار فقط، والأوريجامي الهندسي، هو أن الثاني يمكنك من تصميم حيوان على سبيل المثال بأدق تفاصيله حتى تظهر عضلاته.