عدالة الحياة ( العودة إلى الحياة )
ندمت أمي أشد الندم عندما تركت ذلك الشاب الذي أنجبت منه صبي وتزوجت ذلك العجوز الذي لا يطاق لكنه كان غني جداً, ومضى على ذلك سنة تقريباً, ذاقت فيها أمي الويل منه بسبب شكوكه وتصرفاته وغيرته التي لا سبب لها, وتعدى الأمر كذلك لمحاولاته الاعتداء علي عندما كان يفقد الوعي بسبب الخمر, وتلك الليلة عندما خرجنا من الفندق غرقت في نوم عميق, بينما كانت أمي تقود السيارة ولم أستيقظ إلا على صراخ زوجها عندما دفعته لخارج السيارة, عندما مد جسده ملوحاً بيده ليطلب من زوجته السابقة التي تطاردنا منذ خروجنا أن ترحل من دون مشاكل, وسقط على الطريق وهربت أمي بعيداً, وبعد لحظات لحقت بنا موظفته التي طردها من العمل في نفس اللحظة الذي غادر بها زوج أمي السابق وأخذ معه أخي الصغير ولا أعرف لماذا تشاجر معها قبل ذهابه وأساء لسمعتها أمام الجميع في الفندق, وبعد إلحاح شديد وافقت أمي أن تعمل عندها في شركتها المتواضعة, وفي ليلة جميلة هادئة في بيتنا في الريف, تحدثت مع أمي التي كانت خائفة من عاقبة ما قد فعلته, وهي تحاول عبثاً نسيان ما حدث, ثم قالت لي والتنهيدة تسبقها, وأخيراً ارتحت. لقد كانت شاردة كالعادة وهي تقول هذه الكلمة, أظن أنها كانت تسأل نفسها ما سبب إصرار الموظفة على العمل عندها, وقاطعتها بكلامي الذي أغضبها وسألتها هل تأكدت من موته, ربما لم يمت أو عاد إلى الحياة كأفلام الرعب, لينتقم منا ويقتلنا, فقالت لما قلت يقتلنا وليس يقتلني وحدي, قلت سيقتلني أولاً ليحرق قلبك, ثم قالت أجل كلامك صحيح وهي تلمحه قادم نحونا, وعندما التفت كان قد وصل وحاول خلع الباب بينما أخذتني أمي وهربنا من الباب الخلفي, كان غاضباً جداً لدرجة أنه كسر الباب واستطاع اللحاق بنا, وقال صارخاً بأمي أعيدي لي مالي وبيتي يا مجرمة, وحاولنا الهرب لكنه استطاع أن يمسك بي وبينما حاولت أمي ضربه ليتركني فدفع بها وسقطت الأرض وفقدت الوعي وربما تكون قد ماتت لا أعرف, بل كل ما عرفته أنه أخذنا لمكان بعيد لا أعرفه, ثم دفن أمي مع زوجته السابقة وهي ما تزال على قيد الحياة معاً وطمر الحفرة, وأخذني بالقوة ولم يتركني أعلم مكان ذهابنا, وفقدت الوعي وعندما استيقظت عرفت أنني كنت في قبو بيته السيئ مثله, ولأجل الحكمة ورحمة الله تعالى أمي لم تمت هي أيضاً عادت إلى الحياة, لكن انتقامها هذه المرة سيكون له نكهة أخرى, وطعم مختلف وقاسي جداً, وبينما كنت أعيش مع آلامي وحيدة صابرة, عندما كان كل يوم يعذبني ويعتدي علي ويحرق جسدي بعقاب السيجار, ويقف قريباً مني ويضحك علي ويسخر مني ومن أمي, ويتكلم عنها بطريقة فظيعة حتى زاد حقدي عليه, فدعوت الله تعالى أن تعود أمي وتقطعه إلى ألف قطعة, واستجاب الله تعالى لدعوتي وخرجت أمي بجسدها المتعب المزين بالطين والحصى وجلست تتنهد فوق التراب, ودمعاتها الغالية تمتزج به برائحة تذوب لأجلها الأحزان, جلست تفكر بما سيأتي من آلام ودماء بتوقيع انتقامها وغضبها العارم, ولحكمة أرادها الله تعالى ولقدرته على كل شيء, أعاد أمي التي دفنت مقتولة كما اعتقدت إلى الحياة, بينما ماتت الزوجة التي دفنت على قيد الحياة خائفة مظلومة مقهورة .. وفي غمرة الهدوء المخيف شممت رائحة غضبها تتسرب بالسر إلى رئتي رغم كل هذه المسافات الطويلة, شعرت أنها قادمة لإنقاذي من بين يدي هذا الشرير المتوحش, وبعدما ودعت أخي الذي تركته في البيت وقالت له انتظرني هنا سأذهب لأحضر أختك وبإذن الله تعالى لن أطيل الغياب, أرسلت لي برسالة عاجلة عبر روحها الطاهرة, وقالت اصبري عزيزتي أنا على الطريق إليك, ثم وصلت أخيراً وقد سبقتها شرارة غضبها التي جعلت زوجها يرتعد خوفاً على عكس ما يبدو عليه, وساعدها خوفه من قتله, وتأكدت هذه المرة من موته, ثم وضعته في السيارة ورحلت لمكان بعيد ونائي, ثم تذكرت أنه نفس المكان الذي دفنها فيه , ثم طلبت مني أن أساعدها, فقلت لها ألف طلب مثله, وجررناه نحو نفس الحفرة, ثم طلبت مني الابتعاد وبكل قوتها رمت جثته فيها, فسمعت صوت أحد ما أتى منها, فسألتها لمن هذا الصوت, قالت أنها أصوات عذابه, وأيقنت أنها كانت تقصد غير ذلك, واقتربت من الحفرة ولم أتوقع أبداً ما رأيت, لقد كان في الحفرة زوجها السابق الشاب والد أخي الصغير, مع الموظفة مقيدان بإحكام فيها, ونظرت إلى وجه أمي وعرفت أن السؤال الآن سيكون كمن يرمي الزيت فوق النار, فابتعدت وتركتها تفعل ما تشاء, ثم ردمت الحفرة ورحلنا إلى بيتنا الآخر في المدينة, حيث كان ينتظرنا أخي الصغير عانقته بسرور وبعدما ارتحنا وذهب أخي للنوم, قالت لي من المؤكد أنك تتساءلي لما فعلت ذلك, فقلت بالطبع, قالت إن أخبرتك هل ستصدقينني, فما حدث معي لم أصدقه أنا حتى الآن, قلت لها تحدثي أمي سأصدقك مهما قلت, فقالت في صوت هادئ, تذكرين ذلك اليوم عندما خرجنا من الفندق, ولحقت بنا زوجته السابقة, قلت نعم بالطبع أذكر وهل هذا شيء يمكن أن أنساه, فقالت وهل تعرفين لما كانت تلحق بنا, فقلت كانت تلحق زوجها الذي خانها, فقالت كانت تلحق بنا لأنها كانت تريدني أنا, كانت تريد تحذيري مما يخبأه القدر لي, فقلت وما هو ولماذا تحذرك وأنت من أخذ زوجها منها, ثم بكت وتنهدت ونظرت إلي وقالت كانت تريد تحذيري من زوجي السابق والموظفة اللذين اتفقا على قتلنا بعد سرقة مالنا كله, وبالطبع هذا الأمر سيضرها هي أيضاً, فقلت يا إلهي, هل هذا صحيح, لكن لماذا..؟؟ فعلاً أنهما يستحقان ما فعلته بهما, ذلك الخائن وتلك الكاذبة, لقد كان شجارهما مجرد مسرحية, لكنها كانت بالطبع مسرحية فاشلة, ثم سألتها ولماذا لا أصدقك في ذلك, وكيف أستغرب هكذا شيء من هكذا بشر, فقالت ليس في ذلك فقط, بل في كيف عرفت أيضاً, فقلت قد شوقتني فعلاً, ولا أعرف كيف فاتني هذا الأمر, أخبريني أرجوك كيف عرفت, قالت أخبرتني زوجته ونحن في الحفرة, ومنذ قالت في الحفرة حتى اقشعر جسدي وارتجفت أضلاعه, وشعرت أن شيء ما كان يضغطها حتى كسرها وحطمها, ودون أن أشعر قلت بأعلى صوتي الله أكبر أمي ما الذي تقولينه, ثم تابعت ودون أن تكترث لرعشتي وخوفي وبشرودها المعتاد, أخبرتني بذلك قبل موتها بلحظات, ثم ضاق نفسها ولم تستطيع الصمود أكثر, فماتت بعدما قالت لي الحقيقة, تلك الحقيقة التي أنقذت حياتي وحياتك, وتلك حكمة الله تعالى وعدله وحكمته سبحانه وتعالى. وقبل أن تغلق عيونها على آخر تنهيدة فيها, اعترفت لي لأول مرة في حياتها عن سر حاولت قتله ولم تستطع, أخبرتني بشيء لم أتخيل سماعه أبداً في حياتي, قالت إن تركها لزوجها الشاب لم يكن رغبة منها, فقلت إذاً لماذا تركته, قالت وهي تمسح آخر دمعة على خدها الذي زارته مئات الدموع والآهات, تركته بطلب منه وبإصرار كبير أيضاً, كما أنه أقنعني بذلك, وقال بعدما نحصل على ماله كله سأعود إليه, ثم قالت بكل صدق, أنا لا أستحق هذه النهاية, كان يجب أن تكون نهايتي قاسية جداً, لكن الله تعالى رحمني رحمة بك وبأخيك, وسأدعو الله أن يغفر لي ويصبرني كي أعتني بكما ومن أجلكما فقط , قلت أجل ادعِ الله تعالى, فإن الله غفور رحيم .....